الخميس، 22 نوفمبر 2012

الضفدع الذهبي السام

الضفدع الذهبي السام

ويسمى كذلك بـ [ ضفدع السهم الذهبي | Golden dart frog ]، وهو ضفدع سام ينتمي إلى ساحل المحيط الهادئ في كولومبيا، ويستوطن الغابات المطيرة ذات معدل أمطار عالي ( 5 متر أو أكثر ) وإرتفاعات تتراوح بين 100-200 متر، ودرجات حرارة لا تقل عن 26°، ونسب رطوبة بين 80%-90%. في البرية، الضفدع الذهبي السام حيوان إجتماعي يعيش في مجموعات تضم حوالي ستة أفراد، وفي الأسر فالضفادع الذهبية السامة تعيش في مجموعات أكبر بكثير. يُعتقد بأن الضفدع الذهبي السام غير مؤذ نظراً لحجمه الصغير، ولكن في الحقيقة فهذا أحد أخطر أنواع الضفادع نتيجة سُمه.

السم :
بشرة الضفدع الذهبي السام مكسوة بسم قلوي وبشكل كثيف، وهو واحد من عدة أنواع من السموم تتواجد في ضفادع السهام. هذا السم يمنع الأعصاب من نقل النبضات، تاركاً العضلات في حالة من الإنقباض، وهذا قد يؤدي إلى قصور في القلب أو الرجفان. هذا النوع من السم لا يختفي بسهولة، حتى عند نقله لسطح آخر، وهناك حالة موثّقة توفي بها كلاب ودجاج نتيجةً للمسهم ورق مطبخ لمسه ضفدع ذهبي سام قبلهم.

الضفدع الذهبي السام من الحيوانات [ السّامة | Poisonous ] وليس [ السّامة | Venomous ]; والفرق أن الأول يعتمد على الإتصال لينقل السم، بينما الثاني فلديه أداة ما ليحقن السم بواسطتها مثل الناب في الأفاعي والإبرة في سمكة الأسد. مثل معظم ضفادع السهام، يستخدم الضفدع الذهبي السام سمه فقط ليدافع عن نفسه، فلا يستخدمه مثلاً لقتل الفرائس. يعد حيوان الـ [ شيرونكس فليكري | Chironex fleckeri ] أقوى الحيوانات [ السّامة | Venomous ] من ناحية السم، ومع هذا فسمها أضعف من سم الضفدع الذهبي السام.

كمية السم التي يحملها الضفدع تختلف حسب منطقة العيش، وكذلك حسب النظام الغذائي، ولكن تقدر عموماً بواحد مليغرام وهذه الكمية كافية لقتل 10,000 فأر، أو ما يتراوح بين 10-20 شخص، أو حوالي فيلين إفريقيين. وفي هذه الحالة فالغرام الواحد من هذا السم كافي لقتل 15,000 إنسان.

يُسمى سم الضفدع الذهبي السام بـ [ Batrachotoxin ] وهو نادر جداً، يوجد في ثلاثة أنواع ضفادع من جنس [ Phyllobates ] في كولومبيا، وثلاثة أنواع طيور سامة من بابوا غينيا الجديدة وهي [ Pitohui dichrous ] و [ pitohui kirhocephalus ] و [ Ifrita kowaldi ] فقط. وهناك سموم مشابهة لهذا السم توجد في الضفادع من جنس [ Dendrobates ].

يخزن الضفدع سمه في الغدد الجلدية، ونتيجةً لوجود السم فمذاق الضفدع مريع جداً لكل من يتذوقها. أي حيوان يأكل الضفدع الذهبي السام سيموت، ما عدا أفعى [ Liophis Epinephelus ]، تستطيع هذه الأفعى مقاومة السم ولكنها غير محصنة بشكل تام.

سم الضفدع والسكان الأصليين :
يعد الضفدع الذهبي السام جزء هام جداً في ثقافة الشعوب الأصلية التي خالطته، مثل شعب شوكو إمبيرا، فكان سم الضفدع يستخدم على رؤوس السهام لصيد الفرائس.

كان شعب شوكو إمبيرا يعرض الضفادع للنار بحذر شديد فتفرز كمية كبيرة من السوائل السامة، توضع على رؤوس الأسهم والرماح، ويبقى تأثير السم على الرمح لأكثر من عامين.

الوصف :
يعد الضفدع الذهبي السام الأكبر بين ضفادع السهم، حيث يبلغ 55 مم عند البلوغ، وعادةُ ما تكون الانثى أكبر من الذكر. ومثل كل ضفادع السهم الأخرى، فالبالغة منها ذات ألوان براقة، ولكن تفتقر إلى البقع الداكنة. وهذه الألوان البراقة تساعد على تحذير المفترسات من سمية الضفدع الشديدة. وللضفدع الذهبي السام منصات لاصقة صغيرة في الأقدام تساعد على الإلتصاق بالأسطح وتسلق النباتات، وهو نهاري النشاط. ويوجد الضفدع الذهبي السام بثلاثة ألوان مختلفة :

الأخضر :
وهذا النوع الفرعي يتواجد في منطقة [ لا بري | La Brea ] من كولومبيا، وهذه النوع الأكثر شيوعاً في الأسر.

الأصفر :
وبسببه سمي النوع بأكمله بـ [ الضفدع الذهبي السام ]، ويتواجد هذا النوع في [ كويبرادا كوانجي | Quebrada Guangui ] من كولومبيا، ويتراوح لون هذا النوع الفرعي من الأصفر الباهت إلى الذهبي.

البرتقالي :
وهذا النوع الفرعي ليس شائع كما في الأخضر والأصفر ولكن مع ذلك فهو موجود.

النظام الغذائي :
يتناول هذا الضفدع النمل من أجناس محددة، وكذلك العديد من الحشرات واللافقاريات الصغيرة الأخرى، تحديداً النمل الأبيض والخنافس.

السلوك :
يُعد الضفدع الذهبي السام أحد أذكى الضفادع، وكجميع ضفادع السهم، يمكن للضفدع الذهبي السام معرفة راعيه بعد عدة أسابيع من الأسر. كما أنه صيّاد ماهر، حيث يستخدم لسانه لصيد الحشرات، وتقريباً هو لا يخطئ مطلقاً. وهذا إذا دل فيدل على القدرات العقلية المتطورة والرؤية الجيدة. والضفادع الذهبية فضولية وجريئة، ويبدو أنها تعرف قدرتها على قتل كافة ما تلامسه، ولذا فهي حذرة قليلة فلا تحاول التخفي مطلقاً وتظهر نفسها بألوانها البراقة لتشكل تحذير لجميع المفترسات.

الضفادع الذهبية السامة حيوانات إجتماعية، تعيش في البرية في مجموعات تتراوح بين 4-7 أفراد، وفي الأسر من 10-15 فرد. وكما بقية أنواع ضفادع السهم فهذا النوع نادراً ما يبدي نشاط عدواني تجاه أي فرد من نفس نوعه.

إقرأ المزيد... Résuméabuiyad منتدى مع الشباب

الأربعاء، 7 نوفمبر 2012

دار الثقافة بأزيلال تحتفل بذكرى المسيرة الخضراء المظفرة


دار الثقافة بأزيلال تحتفل بذكرى المسيرة الخضراء المظفرة




 احتفالا بالذكرى السابعة والثلاثين لانطلاق المسيرة الخضراء المظفرة ، نظمت دار الثقافة بأزيلال ، أنشطة ثقافية ، فنية وترفيهية ، بتعاون مع فعاليات محلية و أسرعريقة  بحضور ضيف شرف كبير ، السيناريست والمخرج السينمائي المصري سعيد عزالدين وحضور ملفت لجمعية OCADD من بني ملال كما تضمنت ورقة الأنشطة المبرمجة لهذا اليوم الفقرات التالية  :

10.30 : استهل البرنامج اليومي بصبيحة في الحكي والقصة نظمتها جمعية الشفاهية و الحكي من أجل الصداقة و التنمية والحوارOCADD من بني ملال التي نشطها الفنان باهي وتطرقت هذه الورشة إلى موضوع المسيرة الخضراء الحدث والأبعاد وعرج الاستاذ محمد باهي بطريقة فنية وعلى درجة عالية من الإتقان والجودة شطارات و بهلوانيات جحا التي استحسنها الأطفال المستفيدون ( 30 طفلا) وأثارت فيهم بسمة ومرحا.


11.30 : كان موعد الشباب الحاج إلى قاعة العروض مع الفيلم الروائي القصير "رهوان" مدته 27 دقيقة سيناريو وحوار ياسر فرحات قصة يوسف ادريس " أحمد العقلة " إخراج السينمائي سعيد عزالدين المصري الجنسية والذى يقدم قصة حياة شاب قروى يعيش بقدم واحدة وعكاز، ولكنه يطير بهما ويخدم أهل قريته، وتتصاعد أحداث الفيلم لتدفع رهوان للتمرد على عجزه ، ويقرر تركيب قدم صناعية ويكفر بالعكاز، ولكنه لا يستطيع التكيف مع الوضع الجديد ، الفيلم الروائي من إخراج عز الدين سعيد ومن إنتاج قطاع القنوات المتخصصة بالتليفزيون المصري ، وعقب العرض مناقشة على شاكلة الأندية السينمائية أدارها الفنان هشام بهلول والتي تمحورت حول الفيلم القصير من السيناريو إلى الإخراج ..


17.30 : اعتبارا لأهمية التراث الثقافي الأمازيغي ودوره الأساسي في الحفاظ على الثقافة الأمازيغية بجميع تجلياتها ، افتتح السيد العامل علي بيوكناش والوفد المرافق له ورؤساء المصالح الخارجية وبعض الفعاليات الثقافية فعاليات المعرض التقليدي التراثي الامازيغي بامتياز ، الذي كشف عن ما تختزنه البيوت الأزيلالية من كنوز ونفائس تراثية عريقة شكلت التاريخ الإثنولوجي واللامادي للمنطقة ، هذه الأسر التي قدمت ما تختزنه بقلب و أريحية وتعاون بناء ، من مخطوطات وظهائر سلطانية وحلي وفخار وأواني خزفية منزلية وزرابي ومنتوجات حجرية كالرحى وأسلحة تقليدية وألبسة ونقود قديمة ، أدوات خشبية ، وقد صمم القيمون بدار الثقافة على إعطاء أهمية للإخراج الفني لها ، لإبراز قدرات هذا العمل التطوعي في مجال البحث عن الهوية المحلية التاريخية والموروث الثقافي الامازيغي والذي سيكون مادة تاريخية وفنية ومرجعا للمهتمين من شباب أزيلال خاصة وكي يكون للحاضرين والباحثين والزائرين ، مادة دسمة لاستقراء طرق وظروف عيش الأسلاف والأجداد بالجبل والأسرة المغربية بصفة عامة ، وجاءت من مسميات بعض الأدوات الأسماء التالية : (بزطام ن وداي ، تلوحين ، تلمرايت ، تدوايت، تزولت ،أحندير ن موزون ، أحندير ن إمغران ، تلمجمرت ن لبخور، إمكر، إنين ، إمشضن ، لكميت الصوف ، تحدافت ، إقريدن ، تسغناس، تازرا ، أزبكان ، أزدوز، تيفارت، تناست - تاكرات ، ماكينة ن لقهوة ، افردو نوزرو ، تزلافت  تزلافين ، تلونت ، أفردو نكشوض ، أقلوش ، ....) عمل متواضع من تراث هذا المعرض في انتظار تجميع ما يمكن جمعه في مكان يبوء أزيلال مكانتها في الثقافة الوطنية والاطلسين الكبير والمتوسط ضمن خانة العارضين للموروث اللامادي الإثنولوجي لأزيلال المميز والخاص .

يأتي هذا المعرض المتميز كذلك في إطار تكريم الأسرة التقليدية وعربونا لها عن اجتهادها في المحافظة على هذا التراث الغني النفيس الذي يؤرخ لا محالة لحقبة من أزيلال القديم تاريخيا ..

18.30 : مباشرة بعد حفلة شاي على شرف الحاضرين ، تم عرض فيلم روائي قصير آخر بعنوان "مولانا" الذى يدور حول فكرة المقام أو الزاوية الموجود في كل بلدة ومن خلاله يقوم الناس بتقديم الهدايا والقرابين من أجل أن يشفع لهم صاحب المقام عند الله ولكن بطل الفيلم يظل طوال الفيلم غير مقتنع بهذا المقام وما هو إلا نصب على أهل قريته وبعد أن يكتشف تلك الحقيقة يرفض أهل القرية تصديقه ويتهمونه بسرقة مقام مولانا ، الفيلم قصة وسيناريو وإخراج عز الدين سعيد وبطولة الطفل كريم عبد القادر ورضا حسنين وعلي السيد.



المخرج عز الدين سعيد ، خريج الإعلام جامعة القاهرة قسم إخراج فيديو ، دخل معترك الفن في التسعينات بالأفلام الوثائقية ، ثم انتقل إلى الأفلام الروائية القصيرة ، اختير لمدة ثلات سنوات لإدارة الإنتاج المتميز بقطاع قنوات النيل المتخصصة لتميزه في إخراج أعمال أنتجها القطاع وحصدت العديد من الجوائز في مهرجانات دولية وعربية منها مهرجان القاهرة للإعلام العربي الأخير حيث حصد جوائز عن أعمال منها (مولاتي مصر) الذي عرض على قناة نايل لايف في رمضان الماضي والفيلم الروائي القصير (الصفقة).

كما حائز المخرج عز الدين سعيد على 48 جائزة على مستوى العالم منها فوز فيلمه التسجيلي «البرلس» أو بحيرة البرلس التي تقع في دلتا النيل بالميدالية البرونزية في مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون ، والفيلم نفسه حاز على جائزة أحسن فيلم أفريقي من مهرجان افتزانو بإيطاليا. جائزة الزيتونة الذهبية كأفضل فيلم عن القدس في الدورة الأولى لمهرجان القدس السينمائي الدولي .



من مأثوراته :

... أنا الآن أحصل على جائزة من فلسطين عن فيلم صنعته هناك .. بل صنعني هناك .. فخور بهذه الجائزة .. وجائزتي الأكبر أن تتحول الكاميرا في يدي إلى سلاح حقيقي.


تقرير رشيد شكري

للمتابعة عبر ماروكان بيز اضغط
http://marocain-bus.blogspot.com/2012/11/blog-post_6.html


إقرأ المزيد... Résuméabuiyad منتدى مع الشباب

الاثنين، 5 نوفمبر 2012

الفن الأمازيغي وسينما الشعوب



الفن الأمازيغي وسينما الشعوب


أَيَا نبيي مرحبا سي موزّار = أيها الزائر مرحباً بك في إيموزار
 أَيَا نبيي أوا يفرحاش أومازير = أيها الزائر فرحت لقدومك البلاد
 تانميرت إرغان إتمسمونت ن المسابيس دقاح الشيوخ ن أوحيدوس إمازيغن = تحية حارة لمجموعة المسابيس وكل شيوخ فن أحيدوس الأمازيغي العريق
 تانميرت إرغان إمغناسن إمازيغن إكو ثانيلا... = تحية حارة لمناضلي الأمازيغية في كل بقاع الكون ...
 مجهودات طيبة لأعضاء نادي السينما لإيموزار كندر الذي يطفئ هذه السنة شمعته التاسعة رغم غياب البنيات التحتية والدعم المادي أو اللوجستيكي
 تحية الصمود لأسود آيت سغروشن المناضلين
 وصيتي هي وصية الغفوض رحمه الله لأيت سغروشن : الأرض الأرض منبع الخير فإياكم والتفريط في أرضكم


إقرأ المزيد... Résuméabuiyad منتدى مع الشباب

بنبركة .. "اللغز" الأشهر في تاريخ المغرب

هسبريس - إسماعيل عزام


ليس شرطا أن تكون رائعا كي يتذكرك التاريخ، فكثير من الرائعين رحلوا دون ذكريات..وليس شرطا أن تكون إنسانا شريفا كي ينصفك التاريخ، فكثير من الشرفاء صورتهم كتب التاريخ على أنهم أنذل البشر..وليس شرطا أن تكون حيا كي يذكرك الناس، فهناك من يعيشون معنا رغما عن رغبة التاريخ في محوهم من دفاتره.
هذا الوصف الأخير هو الذي ينطبق على المهدي بنبركة، الفينيق الذي لم ولن يموت أبدا.. من رماده المشتعل ما تزال كلماته حاضرة في كثير من قلوب المغاربة، حيث إن 47 سنة بالتمام والكمال عن اختفائه الشهير لم تستطع إخماد نار الرغبة في معرفة مصير رجل لم يكن كأي الرجال.. كل سنة تعاد الأسئلة بنفس الحرقة ونفس الألم: كيف اغتالوا بن بركة؟ أين هو جثمان بنبركة؟ من قتل بنبركة؟ كأنه حق يأبى النسيان..كأنه جرح يرفض التضميد..كأنه وطن يتمرد ضد الاستبداد..
المهدي بنبركة قيل في حقه الكثير، وقيل كذلك ضده الكثير..أفكاره كواحد من أشهر القادة السياسيين في الخمسينات والستينات ألهمت الكثير من الشعوب الطامحة آنذاك للاستقلال..معارضته القوية للحسن الثاني في وقت كانت كلمة "لا" تساوي الدم والنار..واغتياله بطريقة غامضة شبيهة بسيناريوهات أفلام التشويق..عوامل جعلت من بنبركة اللغز المغربي الأكثر شهرة عبر التاريخ، ووضعته ضيفا وازنا على "زووم" لهذا الأسبوع في هسبريس، وذلك عبر رحلة إلى سنوات الخمسينات والستينات..هناك حيث سكن الألم.

بن بركة ومناهضة الاستعمار..

كان المهدي أصغر الوطنيين الذين وقعوا على وثيقة المطالبة بالاستقلال سنة 1944، اسمه المكتوب على صدر تلك الوثيقة لا زال شاهدا على رغبته القوية في دحر الاستعمار بالطرق السياسية وهو لا يزال ابن الـ24 سنة، ابن مدينة الرباط الذي حاز على البكالوريا سنة 1938 بميزة جيد جدا، ثم الإجازة في الرياضيات من الجزائر بداية الأربعينات بعدما تعذر عليه الذهاب إلى فرنسا التي كانت محتلة من طرف ألمانيا الهتلرية.
كان المهدي مثالا مبهرا للنضال حيث ظهرت بوادره الأولى بالجزائر حين انتخب إبان دراسته رئيسا لاتحاد طلاب شمال إفريقيا، ومباشرة بعد عودته للمغرب انتخب في اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، وكان من بين المساهمين في إصدار جريدة العلم، مما جعل الإقامة العامة الفرنسية بالمغرب تجعله على رأس قائمتها السوداء ليتم اعتقاله ونفيه إلى الجنوب المغربي ابتداء من سنة 1951، ولم تمنعه 3 سنوات من الاعتقال والنفي أن يعمل بشكل جدي من أجل تعميق معارفه السياسية إلى حين الإفراج عنه سنة 1954.
امحمد الخليفة، القيادي في حزب الاستقلال، قال في تصريحات لهسبريس: "المهدي كان بالنسبة لنا نحن من بدأنا ممارسة الوعي السياسي مثالا حيا للنضال ضد الاستعمار، كنت داخل الشبيبة الاستقلالية التي دائما ما كان بنبركة يؤطرها، وكانت تدخلات الرجل القوية والبليغة تبهرنا وتحيي فينا الرغبة في النضال".


ومباشرة بعد خروجه من السجن، كثف بنبركة العمل من أجل استقلال الوطن، وتحول إلى خطر حقيقي ضد السلطات الفرنسية بالمغرب، وهو الأمر الذي أكده وزير البيئة السابق في عهد حكومة اليوسفي ونائب الأمين العام للحزب الاشتراكي مولاي أحمد العراقي بقوله: "المهدي كان خصما حقيقيا للمستعمر لأنه لم يكن ينفعل أو ينتقم، بل كان يمتلك مشروعا بديلا، والمشاريع البديلة هي التي ترعب المستعمرين".
وأبرز ما كان يميز عمل حزب الاستقلال في السنوات الأخيرة من عمر الاستعمار بالمغرب، هو تعاونه المميز مع المؤسسة الملكية التي كان المهدي بنبركة ينظر إليها كلبنة أساسية من أجل الحفاظ على استقرار المغرب كما يقول محمد الحبابي، القيادي داخل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ثم داخل الاتحاد الاشتراكي، في تصريحات خص بها هسبريس:" كان بنبركة مؤمنا بالمؤسسة الملكية، غير أنه كان يرى أن هناك ضرورة لكي تتطور هذه المؤسسة وتتحول البيعة من ذلك الشكل التقليدي إلى بيعة عصرية قائمة على اختيار الشعب، وهذا الأمر تفهمه الراحل محمد الخامس، رغم أن الحسن الثاني كان قد طلب من والده أن يعينه وليا للعهد بظهير وهو ما قبله محمد الخامس في البداية قبل أن يتراجع عنه ويعود إلى الشكل التقليدي للبيعة".
وأردف الحبابي بأن المهدي بنبركة وعبد الرحيم بوعبيد كانا يدخلان إلى القصر الملكي متخفيين بشكل دائم لكي يتواصلا مع محمد الخامس كي لا تعرف بذلك سلطات الحماية، كما أن بنبركة كان هو الذي نظم استقبال الملك من منفاه، وساهم بشكل كبير في خطبته الشهيرة التي ألقاها بطنجة سنة 1947، بل إن الحبابي يعتقد أن بنبركة هو الذي كتبها رغم أنه لم يعترف بذلك صراحة.



بنبركة وجيش التحرير

وشهدت السنوات الممتدة بين منتصف الخمسينيات ومنتصف الستينات تداخل ثلاث جهات قوية تتبنى مطلب الاستقلال: القصر الملكي وحزب الاستقلال وجيش التحرير، ولئن كانت علاقة المهدي بالقصر في ذلك الوقت مستقرة، فعلاقته مع جيش التحرير شابها الكثير من الجدل خاصة أن التسابق حول من يملك الشرعية الأولى للنضال بدأت تظهر بوادره، على اعتبار أن جيش التحرير تشكل في وقت كان فيه الكثير من قادة حزب الاستقلال معتقلين بمن فيهم المهدي الذي كان منفيا إلى الجنوب المغربي، لذلك ومع اقتراب الاستقلال، كان هناك سؤال قوي عمن سيكون في الصفوف الأمامية في الدولة المغربية.
هنا تأتي بعض الاتهامات خاصة من الشبيبة الإسلامية التي تقول بأن بنبركة تورط في أعمال قتل بالريف راح ضحيتها عباس المساعدي، واحد من أكبر قادة جيش التحرير بالريف والذي اغتيل في ظروف غامضة في يوليوز 1956 أي 4 أشهر فقط بعد الإعلان الرسمي عن استقلال المغرب، إضافة إلى بعض الاتهامات المتعلقة باغتيال عبد الله الحداوي عن منظمة الهلال الأسود، غير أن الكثير ممن عاصروا المهدي نفوا بشكل قاطع هذه الاتهامات، فالحبابي الذي تكفل بنبركة بمقامه بالرباط سنة 44 عندما كان يجتاز امتحان البكالوريا ثم ساعده في نيل الدكتوراه سنة 55 يقول: "لم يكن المهدي يقتل أو يعطي أوامر بالقتل، ومثل هذه الدعايات أطلقها مجموعة من الأشخاص وعدد من الأحزاب الكرطونية التي أنشأها القصر الملكي فيما بعد للنيل من حزبي الاستقلال ومن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية"، وهذا الأمر يؤكده اخليفة الذي يقول بأن هناك "أقلام وجهت وأحزاب خلقت منذ 58 من أجل النيل من مناضلي الشعب المغرب ومن بينهم بنبركة"، كما يتحدى مولاي أحمد العراقي هذه الجهات التي تتهم بنبركة مطالبا إياها بإتيان براهينها إن كانت صادقة.

الاستقلال الناقص..

 أتى الاستقلال الموعود، وانتقل المغاربة من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر؛ أي من محاربة الاستعمار إلى بناء الدولة، وسعادة الكثير من القادة المغاربة بهذا الاستقلال لم تكن غامرة وعلى رأسهم المهدي بنبركة الذي سألته أخته بعد إعلان الاستقلال: "لماذا لا تفرح يا المهدي كبقية الناس"؟ ليجيبها: "لم نأخذ استقلالنا بعد، ما تحقق لحد اللحظة هو نصف استقلال فقط".
كان بنبركة يحس في قرارة نفسه أن هناك شيئا ليس على ما يرام، وهو ما ترجمه في ما بعد في تقريره"الاختيار الثوري" عندما تحدث عن خطأ مفاوضات إكس ليبان التي شارك فيها، والتي أعطت للمغرب استقلالا ناقصا مقابل استمرار نهب السلطات الفرنسية للخيرات المغربية، كما يقول مولاي أحمد العراقي، فـ"المهدي اعترف فيما بعد بأن تلك المفاوضات ما كان عليها أن تكون بتلك الطريقة التي سهلت استمرارية اللوبي الفرنسي في المغرب".
غير أن هذا الألم لم يمنع بنبركة من مواصلة العمل مع حزبه ومع المؤسسة الملكية من أجل بناء مغرب الغد، ومن أكبر الأدلة على ذلك إشرافه على بناء طريق الوحدة الذي جمع بين المغرب الذي كان تحت الوصاية الفرنسية بالذي كان تحت الوصاية الإسبانية، فـ"خطاب محمد الخامس حول هذا المشروع أشعرنا بنوع من العجز في كيفية تطبيقه، لكن ما إن التقينا بالمهدي بنبركة، حتى ظهرت لنا خطة العمل سهلة بعد شرحه المميز، فقد كان وجوده معنا حافزا كبيرا، كان يبني معنا الطريق، وفي الليل يسهر معنا في النقاش" يقول امحمد الخليفة.

ورغم كل المحاولات من أجل إقناع بنبركة للدخول في أول حكومة من بعد الاستقلال، فقد فضل أن يكون رئيسا للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وأن يكتفي بتكوين الشباب في العمل السياسي داخل حزب الاستقلال، لكن سرعان ما بدأت الخلافات تدب في جسم حزب الاستقلال الذي صار فضاء لمجموعة من التيارات السياسية والنقابية والحقوقية، خاصة مع تبلور الأفكار الاشتراكية في ذهن المهدي ومجموعة من رفاقه كعبد الرحيم بوعبيد والفقيه البصري والمحجوب بن الصديق، إضافة إلى وجود بعض المنتفعين داخل حزب الاستقلال ممن كانوا يتقربون من ولي العهد الراحل الحسن الثاني من أجل الدخول إلى الحكومة، كما يؤكد محمد الحبابي الذي يحكي كيف أنه كان ذات يوم في منزل بوعبيد لما كان هذا الأخير وزيرا للاقتصاد وكان الحبابي موظفا في ديوانه، ثم أتى المهدي بنبركة واقترح على بوعبيد تشكيل حزب جديد بسبب كثرة المنتفعين داخل حزب الاستقلال، ولفترات ظل بوعبيد رافضا للفكرة قبل أن يذعن لها ويعلن موافقته على تأسيس حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي رأى النور سنة 1959.
وتوجد بعض الروايات التي تتحدث عن كون بنبركة طرد بطريقة غير مباشرة من حزب الاستقلال بعدما ظهر أن هناك اختلافا جذريا حول مواقف رجالات الحزب خاصة فيما بتعلق بالموقف من المؤسسة الملكية رغم أن المهدي بنبركة كان في السنوات الأولى للاستقلال هو دينامو الحزب، وفق إفادة امحمد الخليفة.

النزاع مع الحسن الثاني

ويذكر رضا اكديرة في كتاب "مغرب الحسن الثاني" كيف أن الأمير مولاي الحسن اعتبر تأسيس حكومة يسارية قوية نهاية سنة 58 خطرا على المؤسسة الملكية، خاصة أن اليسار كان قويا في العالم سنوات الخمسينات والستينات، لذلك شكل الأمير حينذاك معارضة قوية من الشخصيات الأكثر تمثيلية تكفلت بإسقاط حكومة عبد الله إبراهيم الذي كان قد انفصل مع أصدقائه عن حزب الاستقلال وشكلوا الاتحاد الوطني للقوات الشعبية".
توفي محمد الخامس، واعتلى الحسن الثاني العرش سنة 61، في وقت كانت فيه الكثير من الملكيات مهددة في العالم العربي، لذلك كان الحسن الثاني واعيا بضرورة تقوية منصبه كحاكم للبلاد، وهي الرغبة التي اصطدمت برجال الحركة الوطنية الذين لم يكونوا ليقبلوا أن يبقوا كمجرد متفرجين على الساحة السياسية، وأكيد أن بنبركة كان في مقدمتهم خاصة وأننا نعلم كيف كان مقتنعا على أن الملكية يجب أن تطور من نفسها وتستجيب لحاجيات عصرها، إضافة إلى أن محمد الخامس توافق مع مكونات الحركة الوطنية على نوع من الملكية البرلمانية قبل الاستقلال لاجتثاث المستعمر من البلاد كما يؤكد لنا مولاي أحمد العراقي، مما يظهر أن الحسن الثاني لم يكن مستعدا لتقديم مثل هذه التنازلات.
 ويضيف العراقي أن النزاع بين الحسن الثاني والمهدي بنبركة كان يتمحور حول توزيع السلط، فالملك الراحل كان متشبثا بالإبقاء على أسس الدولة المخزنية، في حين كان المهدي بنبركة مقتنعا بملك يسود ولا يحكم، أي أنه كان يرى في الملكية ضرورة، لكن بشرط أن تكون ديمقراطية، كما يتحدث العراقي عن أن الكثير من رجال الاستعمار تدخلوا بعد الاستقلال لنسف هذا التوافق حول الملكية البرلمانية، حيث حاولوا تشويه صورة مناضلي الحركة الوطنية لدى القصر الملكي، زيادة على أن " الحسن الثاني ربما اعتقد أن الملكية البرلمانية قد تهدد عرشه خاصة في وقت كانت فيه الكثير من الملكيات تتساقط في العالم العربي، لذلك قام بكل ما يمكن القيام به من أجل منع الملكية البرلمانية حتى ولو كان الأمر متعلقا بملكية مطلقة" يقول العراقي في حديثه مع هسبريس.
ومن بين أهم ما طبع التوتر بين بنبركة والحسن الثاني، تصويت حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية على الدستور الذي قدمه الحسن الثاني سنة 62 ب "لا" مقابل تصويت حزب الاستقلال عليه ب"نعم"، وهي "لا" التي كانت ضد الحكم المطلق وضد دستور لم يكن ينسجم مع مبادئ الديمقراطية كما هو متعارف عليه حاليا، وقوة الأعضاء المؤسسين للاتحاد الوطني للقوات الشعبية جعلت من "لا" سنة 62 كلمة قوية أثارت جدلا كبيرا ووصل مداها إلى خارج المغرب. ومن نتائج هذه الكلمة، الحكم على بنبركة بالإعدام في أطار ما يسمى بمحاكمة يوليوز 63 التي يصفها العراقي بالمصطنعة، والتي بسببها خرج المهدي من المغرب رغم أنه حقق فوزا لافتا خلال انتخابات نفس السنة عندما فاز في دائرة يعقوب المنصور بالرباط، إضافة إلى تخوين بنبركة بسبب مساندته للنظام الجزائري خلال حرب الرمال بأكتوبر من نفس السنة، رغم أن ابنه البشير أكد لجريدة المساء أن والداه كان رافضا للحرب ككل وكان يحاول التوفيق بين مسؤولياته كمسؤول لمنظمة تضامن الشعوب الإفريقية الآسيوية وقيادي مغربي وصديق لجبهة التحرير الجزائرية.

سنة الاغتيال الأشهر في تاريخ المغرب

 رغم الأزمة بين الحسن الثاني والمهدي بنبركة ، فقد كان هناك نوع من التقدير بينهما، يقول محمد اخليفة أن الملك الراحل كان يقدر كثيرا المهدي خاصة أنه كان أستاذه في الرياضيات، كما أنه وفي عز الأزمة كان سفير المغرب في فرنسا مولاي علي يتشاور مع بنبركة حول إمكانية دخول هذا الأخير في الحكومة الائتلافية التي اقترحها الحسن الثاني، وكان رأي بنبركة آنذاك إيجابيا، وفي هذا الصدد يستعيد محمد الحبابي تلك الأيام متحدثا:
 " 23 مارس 65، قتلت وزارة أوفقير العشرات فيما عرف بانتفاضة التلاميذ ، وحينها اتصل الحسن الثاني ببوعبيد متحدثا عن أن هناك طائرة هيلوكبتر تنتظره وراء القصر، وأنه مستعد للهرب من المغرب في حال ما تصاعدت الأحداث، بنفس شاكلة ما وقع بتونس السنة الماضية عندما هرب بنعلي، واقترح الحسن الثاني في ذلك الوقت على بوعبيد إنشاء حكومة ائتلافية تتكون من قادة الإتحاد الوطني للقوات الشعبية لإنقاذ الوضعية، شرط أن يعود المهدي بنبركة ويتولى وزارة الخارجية، لذلك بعث الملك بسفيره في فرنسا محاولا إقناع بنبركة الذي أكد أنه سيعود للمغرب، لكن فقط بعد زيارته لكوبا، حيث كان يحضر لمؤتمر القارات الثلاث بهافانا".
ويتابع الحبابي:" سافرت عند المهدي بنبركة بباريس بطلب من بوعبيد، أخبرته كيف أن الملك اقترح علينا أن نشارك في الانتخابات، وكيف أن الجميع داخل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية كان متأكدا من أننا سنحوز على الأغلبية، أتذكر جيدا حديثنا في مقهى les champs Elysée بباريس، وبينما كنا نتحدث، كان هناك ثلاث رجال من المخابرات يتبعوننا، كان بنبركة يحس بالخطر هناك أيضا، فقد كان يحس أنه ستكون هناك محاولة جديدة لاغتياله بعد محاولاتين سابقتين بالمغرب وسويسرا، كما أن المهدي أخبرني أن لديه موعدا مع الرئيس الفرنسي في نونبر من نفس تلك السنة، لكن للأسف اغتيل المهدي يوما قبل أن يلتقي به".

الإطار السياسي للاغتيال..

وظلت أسئلة من قبيل: من المسؤول عن اغتيال المهدي بنبركة وكيف تمت تصفيته وأين هو جثمانه مطروحة طوال 47 سنة، والمثير في الأمر أن الكثير من الشهود وجدوا منتحرين لصلتهم بالحادث كما تقول الدوائر الرسمية، وعموما فما تتفق عليه الكثير من الشهادات أن هناك من عمل فخا للمهدي بإقناعه بالمشاركة في فيلم حول الحركات التحررية بالعالم، ثم اختطفه شرطيان فرنسيان من أمام مطعم ليب بباريس حيث اختفى عن الأنظار.
ومن الشهادات المهمة في هذا الصدد، شهادة أحمد بخاري العميل السابق في الاستخبارات المغربية الذي قال لمجموعة من وسائل الإعلام بداية الألفية الثالثة أن بنبركة تعرض للتعذيب بشكل وحشي من طرف أحمد الدليمي مساعد وزير الداخلية محمد أوفقير، في إحدى الفيلات في فونتناي ـ لو فيكونت بالقرب من باريس، واستمر التعذيب بعد وصول أوفقير الذي شارك فيه كذلك، ليفارق المهدي الحياة حوالي الساعة الثالثة من فجر يوم السبت 30 أكتوبر، ونقلت جثته للرباط، حيث أذيبت في خزان من حمض الأسيد، ويضيف البخاري كذلك في حوار كانت قد أجرته معه قناة الجزيرة أن المخابرات المغربية وعناصر من سي أي إيه الأمريكية اتفقوا على وضع حد لحياة المهدي بنبركة بسبب نشاطاته الاشتراكية.
 ومن الشهادات كذلك، توجد شهادة الحبابي لعدد من الجرائد الوطنية حين صرح أن جثمان المهدي بنبركة مدفون تحت السفارة المغربية بفرنسا، بينما دفن رأسه بالمغرب بالنقطة الثابتة PF3 ، وقد أكد الحبابي أن اغتيال بنبركة دبره الأمريكيون الذين تعاون معهم جهاز الاستخبارات المغربي الكاب 1 ، وأن الحسن الثاني حاول منع هذا الاغتيال عندما كان يتصل ببنبركة من أجل أن يرجع للمغرب، لأن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تدبر لاغتيال مجموعة من الشخصيات المنظمة لمؤتمر القارات الثلاث الذي يضرب مصالحها، رغم أن الحبابي عاد ليؤكد في حوار له مع يومية المساء المغربية أن الراحل الحسن الثاني اعترف بالتقصير في منع اختطاف المهدي بنبركة وهو ما ترجمه بمراجعة عدد من مواقفه بداية التسعينات.
وتوجد كذلك شهادة فلوري، وهو واحد من أفراد القوات الفرنسية الخاصة سابقا، الذي قال إن جثة بنبركة أحرقت في بناية خارج باريس. وقد حاول الصحفيان الفرنسيان جاك درجي وفرديرك بلوكان لملمة أجزاء الحقيقة، في تحليل ظهر منطقيا إلى أبعد الحدود، فشخصية المهدي بنبركة كمعارض اشتراكي معروف، جعلته هدفا لأربعة أطراف أساسية هي الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تريد إفشال مؤتمر القارات الثلاث وتريد زعزعة الرئيس الفرنسي دوغول الذي كان يأبى الانحياز إليها، إضافة لرغبتها في تخليص حليفها المغربي من معارض قوي، وهناك الطرف الثاني وهو الدولة الفرنسية التي تواطأت لمنع كشف الجريمة ومرتكبيها، زيادة على الطرف الثالث أي الدولة الإسرائيلية التي كانت شريكا قويا للمغرب آنذاك وكانت تريد التخلص من بنبركة الذي كان يناضل عالميا من أجل فلسطين، ثم السلطة المغربية ممثلة في وزير الداخلية أوفقير.
ومن الغريب في قضية بنبركة أنها تظهر كفيلم تشويق، بفارق بسيط هو أنه فيلم بأحداث واقعية، فعدد من الشهود في القضية انتحروا أو قتلوا، فجورج فيغون رجل العصابات الفرنسي الذي رتب اختطاف بنبركة تم العثور عليه منتحرا بداية 66، وعلقت الجريدة الفرنسية لوكنار أونشيني على موته بعنوان "فيغون ينتحر برصاصتين في ظهره" كما قال البشير بنبركة في أحد حوارته مع المساء، إضافة لثلاثة من رجال العصابات الذين اختطفوا بنبركة والذي تمت تصفيتهم، ثم الدليمي الذي توفي في حادث سيارة مثير للجدل.

ماذا تبقى من فكر بنبركة؟

 يقول فتح الله ولعلو أحد القياديين الاشتراكيين عن بنبركة:" كان رجلا استثنائيا بدون مبالغة، كان جد ذكي وجد مجتهد، لم يكن رجل قطيعة، بل كان رجلا واقعيا، دائما يبحث عن طريق للتفاوض وربط التواصل، اغتياله قوى الأطماع الخارجية ضد المغرب، ولو كان المهدي بنبركة على قيد الحياة لكان قوة تفاوضية أقوى بالنسبة للمغرب للدفاع عن الصحراء، وقد كان رحمه الله رجل حركة، يفكر بسرعة، يعطي مئات الأفكار يوميا، باختصار كان رجلا وظف حياته من أجل المستقبل".
ويتحدث مولاي أحمد العراقي عنه:" الحاجة اليوم لفكر بنبركة هي حاجة ملحة جدا، ويجب أن نستفيد من فكره عندما كان يتأقلم مع المستجدات الواقعية وعندما كان يتعامل مع المغرب المعاصر في الوقت المعاصر".
والأكيد أن مكانة بنبركة كبيرة جدا عند الكثير من المغاربة، خاصة عند من تشبعوا بالأفكار الاشتراكية، لكن هل كان المهدي سيكون سعيدا وهو يرى هذا التشتت الذي حدث لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ثم لحزب الاتحاد الاشتراكي فيما بعد؟ هل كان ليكون فرحا ورفاق دربه يدخلون في تجربة اسمها حكومة التناوب لم تقم سوى بقتل الكثير من وهج الاشتراكيين في المغرب؟ هل كان ليكون مطمئنا ورفاق دربه يدخلون إلى وزارة العدل مرتين دون أن تكون لهم القدرة لتحريك ملفه؟ هل كان المهدي ليقبل لو بقي حيا بتحريف مسار الإتحاد الاشتراكي الذي قبل أن يبقى في حكومة رئيسها لم يأت من الانتخابات؟
يقول مولاي أحمد العراقي في نهاية حديثه لهسبريس بكثير من الألم:" لو بعث المهدي بنبركة من جديد، فأكيد أننا لم نكن لنسقط في الكثير من الأخطاء، ولو كان رئيسا لحكومة تملك الكثير من الصلاحيات التي قتل من أجلها الكثير من شرفاء هذا الوطن، أكيد أنه كان ليفعل الكثير والكثير"..
فكم من غائب حاضر بفكره وإنجازاته..وكم من حاضر غائب حتى ولو ملأ السماء خطبا وتصريحات!
إقرأ المزيد... Résuméabuiyad منتدى مع الشباب

التسامح جميل… فأين المتسامحون؟


فلنتفق أولا حول مفهوم الثقافة. الثقافة هي ذاك التكوين النفسي المشترك بين أفراد الأمة الواحدة، وجملة التراكمات الأدبية والفنية والسلوكية الموروثة.
وبناءً عليه فإن ثقافة التسامح ليست منتوجا نقتنيه من السوق أو نستورده من بلد أجنبي، إنما التسامح ذهنية وتاريخ وأسلوب تعاط مع كل طرح مخالف.
ما من ريح تغيير هبت على أمة إلا وكانت إفرازا لعقلية ثائرة حرة. وما من أمن واستقرار وعدالة ونماء في بلد إلا وهي نتائج حتمية لسيادة التسامح والحوار بين الحكومة وشعبها.
ميراث العرب السياسي والعقائدي حافل بقيم التسامح ولكنه مثقَل أيضا بالصراعات والاقتتال والاغتيالات وقمع كل نقد واختلاف.
ضم النص القرآني 127 آية تحث على التسامح والجدال بالحسنى والصفح على من اعتدى، ولكنه يدعو أيضا في المقابل إلى القتال والجهاد وإقامة الحد.
لقد لعب التأويل في هذا أسوأ دور بلغ درجة التنكيل بالمفكرين والعلماء والفلاسفة. والإنجيل كتاب تسامح وإيمان وإخاء، غير أن أبشع الجرائم اقترفت باسم الكنيسة.
هذا هو التاريخ. فالمتحدث اليوم عن ثقافة تسامح توفر أرضية مشتركة بين الحكومات وشعوبها ينبغي ألا يغفل عن ذاك الزخم التاريخي.
حاضرنا عصيب ومعقَد. الأزمة الاقتصادية العالمية تلقي بثقلها على البلدان الأكثر فقرا، وسياسة الغرب تجاه العالم الثالث ليست بحسن النية التي يتوهمها الكثيرون، أضف إلى ذلك إيديولوجيات سياسية متشعبة ورؤى مختلفة في الدين تصل حد التناقض والتناحر وإهدار الدم.
ويلف كل هذا سباق محموم نحو كرسي السلطة والمال السهل، تستباح في سبيله الأخلاق والمبادئ والانتماء. إذن لا حديث عن ثقافة التسامح دون تدوين كل هذه المعطيات.
جميلة هي شعارات التسامح وثقافة الحوار، ولكن هل الحكومات والمجتمعات المدنية والأحزاب السياسية والجمعيات المغاربية مستعدة للجلوس إلى مائدة الحوار دون تصعيد وتدافع على الزعامة؟
وهل بإمكان أي طرف وضع المصلحة العليا للبلاد فوق كل اختلاف – بما في ذلك اليساريين والديمقراطيين والعلمانيين والإسلاميين والملحدين والسلفيين والجهاديين والتكفيريين – وخلق هوية وطنية تذوب فيها هذه التجاذبات؟

لست متشائما ولكني أشك.

جسر الأمان السياسي في المغرب العربي
كثيرا ما نسمع الحكومات المغاربية تتشدق بثقافة التسامح، وحماية الحريات، والدفاع عن حقوق الإنسان، وتفعيل مبادئ الديمقراطية الحقة، وترسيخ الوحدة الوطنية. لكن هذه المفاهيم تظل غائبة عن المسرح الفعلي للحياة السياسية والاجتماعية في أغلب الدول المغاربية.
الشعوب تمر الآن بمرحلة انتقال سياسي واجتماعي قد تكون منعرجا زلقا وخطيرا بالنسبة للحكومات التي لا تؤمن بنشر ثقافة التسامح.
في الخطاب الذي ألقته وزيرة الثقافة الموريتانية السيدة سيسة بنت الشيخ بيده أمام الجمعية العامة لليونيسكو الشهر الماضي، حاولت التأكيد على عزم الحكومة الموريتانية على توطيد ثقافة التسامح.
حيث قالت الوزيرة: “تعمل بلادي، منذ تولى الرئيس السيد محمد ولد عبد العزيز سدة الحكم، على تحقيق السلم والعدالة والاستقرار وإشاعة الانصاف انطلاقا من مبادئ الحوار وترسيخ الوئام الاجتماعي.
قد لا يتفق الكثير من المراقبين للوضع العام في موريتانيا مع السيدة الوزيرة حول الادعاءات التي وردت في خطابها. بل إن أغلب الموريتانيين يعتقدون أن الحريات الفردية قد انزلقت عن خط الأمان السياسي والاستقرار الاجتماعي. والدليل على ذلك المظاهرات المتكررة للزنوج وظهور حركة لا تلمس جنسيتي المناهضة للتعداد السكاني، ومصادمات الطلاب في جامعة نواكشوط بسبب الخطابات العنصرية.
ومع ذلك، فمن الواضح أن ترسيخ ثقافة التسامح والمواطنة في الدول المغاربية أصبح موضوع الساعة، حيث بدأت الحكومات تفهم أن التسامح والاحترام هما السبيل الوحيد لكسب ثقة المواطنين ومنع التصادمات التي قد تتسبب في سقوطها.

ليس لدى الشعوب ما تخسره.

حان الوقت لتغير الحكومات المغاربية تصورها التقليدي عن الشعوب بصفتها ضعيفة وخانعة ولا تستحق الاحترام.
لابد أن تتخذ الحكومات خطوة حقيقية نحو ترسيخ ثقافة التسامح بين كل أطياف المجتمع من أجل ضمان نجاح التحول الديمقراطي وبناء دولة الحق والقانون.

حق الاختلاف

مبدأ التسامح وحق الاختلاف مفهومان يتلازمان بشدة، إذ لا يقوم الواحد منهما بمعزل عن الآخر.
المرء، مع نفسه وفي أسرته وداخل نسيج مجتمعه، لا يكون متسامحا بالفعل والقول، ما لم يكن حق الاختلاف أكثر قناعاته الشخصية رسوخا.
أعترف أنني أحيانا أسقط في فخ الانغلاق على الذات، بسبب انغماسي أحيانا في أجواء عدد كبير من المناضلين والمثقفين المغاربيين الذين تربطني بهم علاقات وطيدة.
يتصرف بعض هؤلاء الأشخاص على أنهم، وحدهم دون غيرهم، الجديرون بالحديث في هذا الموضوع. فمن اقتنع بكلامهم فهو يستحق مواصلة الحديث معهم، ومن رفض الاستماع إليهم فهو بالتأكيد شخص عنيد.
هل هم مؤمنون بمبدأ التسامح وحق الاختلاف؟ أظن أنهم مؤمنون فعلا بذلك، لكن ليس خارج دائرتهم.
كل ما هو خارج عن ذواتهم يتنكرون له، وهكذا فهم يسهمون من حيث لا يشعرون في استبعاد الآخرين وتهميشهم.
وهذا ما قد يؤدي لاحقا إلى الإحباط ثم العدوانية فالتعصب.
التسامح ليس مجرد مبدأ جاهز سلفا، بل هو سؤال عميق لا إجابات نهائية له. علينا تطوير مفاهيمنا حول التسامح باستمرار.
 ما أسهل أن نطلق على هذا السلفي أو ذاك صفة المتطرف. ثم نمعن في التفكير لإيجاد خطط فعالة تعيده إلى جادة الصواب. وغالبا ما تبدو خططنا متفتحة على كل شيء إلا على نقد نظرتنا نحن للسلفي نفسه.
بإمكاننا دخول مرحلة الحوار والتفاعل الإيجابي مع هؤلاء المتطرفين حول الفهم الراديكالي للسلفيين. هذه مرحلة ضرورية للبدء في تكريس قيم التسامح المتبادل بين الأفراد والشعوب والبلدان.

تحويل الاختلاف إلى قوة

جميع من حل بالمنطقة المغاربية منذ أقدم العصور حمل معه ثقافته، فكانت أرضا للتعددية الحقيقية وموطنا للتسامح بشتى مظاهره. إذ فيها تعايش أصحاب الديانات السماوية، وتساكن على أرضها المسجد والمعبد اليهودي والكنيسة.
 حولت فضيلة التسامح الاختلاف إلى غنى.
غير أن هذه الدول عرفت انتكاسات عدة. فقد عزف بعض الساسة على وتر الديماغوجية ورفعوا شعارات عصفت أحيانا بالتسامح.
بينما في شمال المتوسط تسامح الأوروبيون وتخلصوا من تأثير المآسي، سواء تلك التي نتجت عن الانقسام الديني أو تلك التي تركتها ويلات الحربين العالميتين، وتمكنوا من تحويل أوروبا إلى فضاء مفتوح في وجه أبنائها.
في الوقت نفسه، لدينا حركات تستوحي مشروعا سياسيا من قراءة معينة للدين الإسلامي، لا يحضر فيها الآخر، فتشرع في تكفير كل من يختلف معها، وتسعى أحيانا إلى فرض فكرها عن طريق القوة.
ولعل ما حدث في ليبيا عندما شرعت حركات مسلحة في هدم الأضرحة وتخريبها، يوضح إلى أي حد يمكن أن يتحول إنسان بدون فضيلة التسامح إلى آلة لنشر الدمار.
إن ثقافة التسامح ليست ترفا فكريا يوشح البرامج السياسية لتعبئة الجماهير، بل هي قيمة إنسانية سامية تحترم الإنسان و تمجده، معها يدرك الناس عبر مختلف وسائل التنشئة الاجتماعية أن لا أحد له الحق في محاسبة الآخرين عند ممارسة حرياتهم الشخصية.
توظيف أبعاد الهوية الثقافية للتمييز بين الناس قد يهيج الفتن الخامدة. ثقافة الاختلاف تثبط استبعاد الآخر وتستثمر في مجتمعيات شمولية لا تتقوقع حول الذات.
في فضاء يسود فيه التسامح، تصبح الديمقراطية بناء جماعيا وتعدديا.
تلك هي اللحمة التي يجب أن تسود في البلاد المغاربية، إذ ليس للمجتمعات خيار آخر إن هي أرادت الرهان على المستقبل.


إقرأ المزيد... Résuméabuiyad منتدى مع الشباب

تراجع نفوذ القاعدة وبزوغ نجم أنصار الشريعة


2012-10-05
    توحد مجموعات من التنظيمات السلفية من المغرب إلى اليمن صفوفها حول ما يعتبره محلل مغربي الوجه الإيديولوجي الجديد للقاعدة. حوار أجراه مواسي لحسن من الدار البيضاء لمغاربية .
[أ ف ب/عبد الله دوما] وُجهت الاتهامات لكتيبة ليبية تسمى أنصار الشريعة من قبل سكان بنغازي بتورطها في الهجوم الإرهابي على القنصلية الأمريكية.
في سياق الربيع العربي وفضاء الحرية التي وفرها، يشكل الإسلاميون المتشددون عددا من الجماعات الجديدة لتطبيق أجندتها.
وفي ضوء الصعود السلفي في تونس وليبيا واليمن تتوحد جماعات تحت راية "أنصار الشريعة". ورأى العديد من المحللين في البداية أن هذه التنظيمات تمثل محاولة من التيار السلفي للتأقلم مع الأوضاع الجديدة، وربما التخلي عن إديولوجيته العنيفة.
لكن الباحث المغربي عبد الله الرامي يوضح أن جماعات أنصار الشريعة تمثل اليوم "الذراع الإديولوجي" والمورد البشري والمالي لتنظيم القاعدة المسلح. مغاربية أجرت هذا الحوار مع الرامي، المحلل السياسي بالمركز المغربي للعلوم الاجتماعية المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية، لمناقشة هذه الظاهرة الجديدة وآفاقها.
مغاربية: هل يمكن اعتبار ظهور عدد من الجماعات السلفية الجديدة، وتحت نفس الاسم "أنصار الشريعة"، من قبيل الصدف أم أنه تخطيط موجه؟
عبد الله الرامي: لا أعتقد أن الأمر مجرد صدفة. بل إنه بالتأكيد نتيجة تدبير وتخطيط بهدف إعادة تأقلم التيار السلفي الجهادي مع الوضع الجديد الذي أوجدته ثورات الربيع العربي في المنطقة.
وهذا ما تؤكده العديد من المؤشرات، منها الملتقيات التي نظمت، والقيادات التي كانت وراء هذه المبادرات والتي تعتبر في غالبيتها من الرموز الجهادية التي لها تاريخ جهادي في أفغانستان وغيره.
أما الاسم، فأعتقد أنه يستجيب لوصية ابن لادن قبل مقتله والتي طلب فيها من جماعته تغيير اسم القاعدة واختيار اسم جديد يكون قريبا من الوجدان الشعبي للمسلمين. ويبدو اسم "أنصار الشريعة" جد ملائم لهذا الغرض، نظرا لرمزيته ووقعه القوي على الشعور الديني في المجتمع الإسلامي. فاختيار هذا الاسم إذن ليس عشوائيا بل هو نتيجة تخطيط وتوافق، وتم اختياره على أساس دلالته ورمزيته القوية.
مع الإشارة إلى أن الاسم في حد ذاته ليس جديدا، فقد سبق لأبي حمزة المصري، المعتقل حاليا في بريطانيا والمطلوب في اليمن وأميركا في جرائم إرهابية، أن أطلق نفس الاسم على تنظيم موالي للقاعدة أنشأه في لندن بعد عودته من أفغانستان في 1994. وكان أبو حمزة يطمح إلى أن يجعل من "أنصار الشريعة" تنظيما عالميا له فروع في العديد من البلدان.
[مواسي لحسن] "جماعات "أنصار الشريعة" و"تنظيم القاعدة" وجهان لعملة واحدة" حسب الباحث المغربي عبد الله الرامي.
مغاربية: هل هو مجرد تغيير في اسم القاعدة مثلما اقترح بن لادن أم أن هذه الجماعات الجديدة مؤشر على وجود قطيعة بين السلفيين وبين شبكة القاعدة العالمية؟
الرامي: بالعكس ليست هناك أية قطيعة. فجماعات "أنصار الشريعة" و"تنظيم القاعدة" في نظري وجهان لعملة واحدة. وأنصار الشريعة تشكل خطوة متطورة، من حيث هي امتداد دعوي لتنظيم القاعدة. بمعنى أنها تندرج في ما يمكن اعتباره إعادة صياغة العلاقة بين السلفية الجهادية والمجتمعات الإسلامية.
فالميل المطلق لدى القاعدة للارتكاز كليا على العنف والعمل المسلح، حكم على التنظيم بالانحسار والتقهقر.
وحركة أنصار الشريعة جاءت بالضبط من أجل التخلص من هذا التضييق والعزل الذي أصبحت تعاني منه القاعدة. وهذا مغزى وصية ابن لادن التي دعت أتباعه إلى التفكير في صيغة جديدة للتنظيم تمكنه من العودة إلى المجتمع، بوجه جديد، يكون مقبولا شعبيا، لكن من دون التخلي عن الإديولوجية السلفية الجهادية، أي دون القيام بمراجعات فكرية.
مغاربية: ما هي أسباب هذا الانحسار في نظرك في دعم القاعدة؟
الرامي: أهم الأسباب هي تخلي الإعلام عن دور الترويج للقاعدة واشتداد الحصار العسكري والأمني على هياكلها ورموزها. فالقاعدة في بداياتها كانت تعتمد كثيرا على تغطية القنوات الفضائيات لعملياتها كأسلوب رئيسي لتصدير اسمها ونقل رسائلها والترويج للتنظيم في البلدان الإسلامية، ومن خلال ذلك توسيع دائرة المتعاطفين والأنصار في هذه البلدان. إضافة طبعا إلى دور أدبيات القاعدة على شبكة الإنترنت.
غير أن الضربات التي تلقتها القاعدة واشتداد الحصار العسكري والأمني والإعلامي عليها، وتراجع عملياتها، جعل التنظيم يعرف انحسارا متزايدا منذ سنة 2004، لدرجة أصبحت دائرة الأنصار والمتعاطفين أكثر نشاطا من تنظيم القاعدة نفسه.
من هنا جاء التفكير في ضرورة إيجاد صيغة جديدة للتنظيم تراهن على الدعوة كوسيلة للتوسع والتغلغل والانغراس في المجتمع، من خلال استغلال منابر الخطابة وفرص العمل الخيري والاجتماعي القريب من الناس. وقد ساهم الربيع العربي بشكل كبير في هذا التحول من خلال توفير هامش حركة أكبر للجماعات السلفية مع توسع هامش الحريات وتخلص مجتمعات المنطقة من القبضة الأمنية الحديدية للأنظمة الدكتاتورية السابقة.
[أ ف ب/عبد الله دوما] آلاف التونسيين يشاركون في المؤتمر الثاني لأنصار الشريعة في القيروان مطلع السنة الجارية.
مغاربية: ما هي طبيعة العلاقات بين القاعدة وأنصار الشريعة؟ هل هناك علاقات تنظيمية بين القيادات المركزية؟
الرامي: الرابط الأساسي بين التنظيمين هو إديولوجي. فأنصار الشريعة كلهم يتقاطعون إديولوجيا مع القاعدة، وكلهم يعلنون ولاءهم للقاعدة، بالرغم من عدم وجود روابط تنظيمية.
هذا واضح، مثلما في اليمن، حيث يوجد تنظيم القاعدة جنبا إلى جنب مع تنظيم أنصار الشريعة، هما في الواقع متشابهان، لكنهما تنظيميا منفصلان، ولكل واحد منهما مجال نشاطه الخاص. وكخلاصة يمكن القول أن أنصار الشريعة تمثل الذراع الإديولوجي المهيكل للسلفية الجهادية، فيما تنظيم القاعدة يمثل ذراعها العسكري المسلح.
مغاربية: ما هي الآفاق السياسية بالنسبة لأنصار الشريعة؟
الرامي: النظام السياسي الذي تبشر به هذه الجماعات هو إقامة نظام الخلافة على نموذج الطالبان، وذلك عن طريق الجهاد. فالمنطق السلفي يرفض كل مظاهر السياسة المدنية ومظاهر الحكم المدني. فأنصار الشريعة لا يمكن أن يقبلوا بالديمقراطية، لأن الديمقراطية قد تأتي بامرأة إلى الحكم، كما يمكن أن تأتي بليبرالي أو مسيحي، وهذا لا يمكن أن يقبله السلفيون أبدا.
متعلقات
الليبيون يدينون الاعتداء على القنصلية الأمريكية في بنغازي
2012-09-13
قتل المسلمين يرتد سلبا على تنظيم القاعدة
2009-12-30
قيادي سابق بالجماعة الليبية الإسلامية المقاتلة يشكك في منطق بن لادن
2010-05-02
بدء المحاكمة في قضية إرهابية لها علاقة باتصالات الجزائر
2010-01-04
علماء مسلمون يدينون سفك الدماء في رمضان
2010-09-14
فهم لن يقبلوا بغير حكم الشريعة، وحكم الشريعة في مفهومهم هو تطبيق نموذج الطالبان.
ويمكن ملاحظة ذلك في المناطق التي استولى عليها السلفيون، في مالي والصومال واليمن، بسبب ضعف الدول المركزية وهشاشة الأنظمة السياسية. فهم لا يخرجون في سلوكهم في هذه المناطق عن نمط حكم وإدارة الطالبان، نفس الصيغة، ليس هناك أي جديد.
أهم شيء بالنسبة إليهم هو إنشاء شرطة أخلاقية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم محاربة أو إحراق محلات بيع أشرطة الفيديو ومحلات الخمر، إضافة إلى فصل الرجال عن النساء، ومراجعة برامج التعليم وإزالة كل المواد التي يعتبرونها مخالفة للشريعة.
أي أننا أمام نفس مواصفات حكم طالبان.
إقرأ المزيد... Résuméabuiyad منتدى مع الشباب